فصل: ومن باب البول قائمًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب كراهية الكلام على الخلاء:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة نا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال: حدثني أبو سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخرج الرجلان يضرمان الغائط كاشفين عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك».
قوله: «يضرمان الغائط» قال أبو عمر صاحب أبي العباس يقال ضربت الأرض إذا أتيت الخلاء وضربت في الأرض إذا سافرت.

.ومن باب أيرد السلام وهو يبول:

قال أبو داود: حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: حَدَّثنا عمر بن سعد عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: «مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم فلم يرد عليه».
قال أبو داود: وروى ابن عمر وغيره «أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ثم رد على الرجل السلام».
وفي رواية المهاجر بن قنفذ «أنه توضأ ثم اعتذر إليه فقال إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلاّ على طهر».
قلت: وفي هذا دلالة على أن السلام الذي يحيي به الناس بعضهم بعضا اسم من أسماء الله عز وجل. وقد روي ذلك في حديث حدثناه محمد بن هاشم حدثنا الدّبري عن عبد الرزاق حدثنا بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن السلام اسم من أسماء الله فأفشوه بينكم».
وفي الحديث من الفقه أنه قد تيمم في الحضر لغير مرض ولا جرح. وإلى هذا ذهب الأوزاعي في الجنب يخاف إن اغتسل أن تطلع الشمس قال يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت.
وقال أصحاب الرأي إذا خاف فوات صلاة الجنازة والعيدين يتيمم وأجزأه.
وفيه أيضًا حجة للشافعي فيمن كان محبوسا في حش أو نحوه فلم يقدر على الطهارة بالماء أنه يتيمم ويصلي على حسب الإمكان إلاّ أنه يرى عليه الإعادة إذا قدر عليها، وكذلك قال في المصلوب وفيمن لا يجد ماءً ولا ترابا أنه يصلي ويعيد وزعم أن لأوقات الصلاة أذمة!!! تُرعى ولا تُعطل حُرُماتها، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن ينادى في يوم عاشوراء من لم يأكل فليصمه ومن أكل فليمسك بقية النهار. ومعلوم أن صوم بعض النهار لا يصح وقد يمضى في فاسد الحج وإن كان غير محسوب له عن فرضه.

.ومن باب الاستبراء من البول:

قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب وهناد بن السري قالا: حَدَّثنا وكيع، حَدَّثنا الأعمش قال: سمعت مجاهدا يحدث عن طاوس عن ابن عباس قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما هذا فكان لا يستبرئ أو لا يستنزه من البول وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا وقال لعله يخفف عنهما العذاب ما لم ييبسا».
قوله: «وما يعذبان في كبير» معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما أو يشق فعله لو أرادا أن يفعلاه وهو التنزه من البول وترك النميمة ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة في حق الدين وأن الذنب فيهما هين سهل.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فكان لا يستنزه من البول» دلالة على أن الأبوال كلها نجسة مجتنبة من مأكول اللحم وغير مأكوله لورود اللفظ به مطلقًا على سبيل العموم والشمول وفيه إثبات عذاب القبر، وأما غرسه شق العسيب على القبر وقوله: «ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه والله أعلم.

.ومن باب البول قائمًا:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سليمان، عَن أبي وائل عن حذيفة قال: «أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائمًا ثم دعا بماء فمسح على خُفيه قال فذهبتُ أتباعد فدعاني حتى كنت عند عقبه».
السباطة مُلقى التراب والقِمام ونحوه تكون بفناء الدار مرفقا للقوم ويكون ذلك في الأغلب سهلًا منثالًا يخد فيه البول فلا يرتد على البائل.
وأما بوله قائمًا فقد ذكر فيه وجوه منها أنه لم يجد للقعود مكانا فاضطر إلى القيام إذ كان ما يليه من طرف السباطة مرتفعا عاليا وقيل إنه كان برجله جرح لم يتمكن من القعود معه وقد روي ذلك في حديث حدثت به عن محمد بن عقيل.
قال: حدثني يحيى بن عبد الله الهمداني، قال: حَدَّثنا حماد بن غسان الجعفي حدثنا معن بن عيسى القزاز عن مالك بن أنس، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا من جرح كان بمأبضه».
وحدثونا عن الشافعي أنه قال: كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا فنرى أنه لعلة. كان به إذ ذاك وجع الصلب والله أعلم.
وروي عن عمر أنه بال قائمًا وقال البول قائمًا أحصن للدبر يريد به أنه إذا تفاج قاعدًا استرخت مقعدته، وإذا كان قائمًا كان أحصن لها، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعتاد من فعله أنه كان يبول قاعدًا وهذا هو الاختيار وهو المستحسن في العادات، وإنما كان ذلك الفعل منه نادرا لسبب أو ضرورة دعته إليه وفي الخبر دليل على أن مدافعة البول ومصابرته مكروهة لما فيه من الضرر والأذى، وفيه جواز المسح من الحدث على الخفين.
وأما قوله: «فدعاني حتى كنت عند عقبه» فالمعنى في إدنائه إياه مع إبعاده في الحاجة إذا أرادها أن يكون سترا بينه وبين الناس، وذلك أن السباطة إنمّا تكون في الأفنية والمحال المسكونة أو قريبة منها ولا تكاد تلك البقعة تخلو من المارة.

.ومن باب المواضع التي نهي عن البول فيها:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللاعنين قيل وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم».
قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن سويد الرملي وعمر بن الخطاب أبو حفص وحديثه أتمُّ أن سعيد بن الحكم حدثهم قال أخبرني نافع بن يزيد، قال: حَدَّثنا حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحِميري حدثه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الملاعن الثلاث البَراز في الموارد وقارعة الطريق والظل».
قوله: «اتقوا اللاعنين» يريد الأمرين الجالبين للّعن الحاملين الناس عليه والداعِيَين إليه، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم فلما صارا سببا لذلك أضيف إليهما الفعل فكان كأنهما اللاعنان، وقد يكون اللاعن أيضًا بمعنى الملعون فاعل بمعنى مفعول كما قالوا سر كاتم أي مكتوم وعيشة راضية أي مرضية، والملاعن مواضع اللعن والموارد طرق الماء وأحدها موردة والظل هنا يراد به مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه وليس كل ظل يحرم القعود للحاجة تحته فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته تحت حايش من النخل وللحايش لا محالة ظل، وإنما ورد النهي عن ذلك في الظل يكون ذرىً للناس ومنزلًا لهم.

.باب البول قي المستحم:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: حَدَّثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثني أشعثُ عن الحسن عن ابن مُغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبولنّ أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه فإن عامة الوسواس تكون منه».
المستحم المغتسل وسمي مستحمًا باسم الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن المكان جَددا صلبا أولم يكن مسلك ينفذ فيه البول ويسيل فيه الماء فيوهم المغتسل أنه أصابه من قطره ورشاشه فيورثه الوسواس.

.ومن باب ما يقول إذا خرج من الخلاء:

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن محمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا إسرائيل عن يوسف من أبى بُردة عن أبيه قال حدثتني عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال غُفرانك».
الغفران مصدر كالمغفرة وإنما نصبه بإضمار الطلب والمسألة كأنه يقول اللهم إني أسألك غفرانك كما تقول اللهم عفوك ورحمتك تريد هب لي عفوك ورحمتك وقيل في تأويل ذلك وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدعاء قولان أحدهما أنه قد استغفر من تركه ذكر الله تعالى مدة لبثه على الخلاء، وكان صلى الله عليه وسلم لا يهجر ذكر الله إلاّ عند الحاجة فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحالة تقصيرا وعده على نفسه ذنبا فتداركه بالاستغفار.
وقيل معناه التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروج الأذى منه فرأى شكره قاصرا عن بلوغ حق هذه النعم ففزع إلى الاستغفار منه والله أعلم.

.ومن باب كراهة مس الذكر في الاستبراء:

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: حَدَّثنا أبان حدثنا يحيى عن عبد الله بن قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه وإذا شرب فلا يشرب نفسًا واحدًا».
إنما كره مس الذكر باليمين تنزيها لها عن مباشرة العضو الذي يكون منه الأذى والحدث وكان صلى الله عليه وسلم يجعل يمناه لطعامه وشرابه ولباسه ويسراه لما عداها من مهنة البدن. وقد تعرض هاهنا شبهة ويشكل فيه مسألة فيقال قد نهى عن الاستنجاء باليمين ونهى عن مس الذكر باليمين فكيف يعمل إذا أراد الاستنجاء من البول فإنه إن أمسك ذكره بشماله احتاج إلى أن يستنجي بيمينه، وإن أمسكه بيمينه يقع الاستنجاء بشماله فقد دخل في النهي. فالجواب أن الصواب في مثل هذا أن يتوخى الاستنجاء بالحجر الضخم الذي لا يزول عن مكانه بأدنى حركة تصيبه أو بالجدار أو بالموضع الناتئ من وجه الأرض وبنحوها من الأشياء، فإن أدته الضرورة إلى الاستنجاء بالحجارة والنبل ونحوها فالوجه أن يتأتى لذلك بأن يلصق مقعدته إلى الأرض ويمسك الممسوح بين عقبيه ويتناول عضوه بشمال فيمسحه به وينزه عنه يمينه.
وسمعت ابن أبي هريرة يقول حضرت مجلس المحاملي، وقد حضر شيخ من أهل أصفهان نبيل الهيئة قدم أيام الموسم حاجا فأقبلت عليه وسألته عن مسألة من الطهارة فضجر وقال: مثلي يسأل عن مسائل الطهارة. فقلت لا والله إن سألتك إلاّ عن الاستنجاء نفسه وألقيت عليه هذه المسألة فبقي متحيرا لا يحسن الخروج منها إلى أن فهمته.
وأما نهيه عن الشرب نفسًا واحدًا فنهي تأديب وذلك أنه إذا جرعه جرعًا واستوفى ريه نفسًا واحدًا تكابس الماء في موارد حلقه وأثقل معدته. وقد روي أن الكُباد من العب وهو إذا قطع شربه في أنفاس ثلاثة كان أنفع لريه وأخف لمعدته وأحسن في الأدب وأبعد من فعل ذوي الشره.

.ومن باب الاستتار في الخلاء:

قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى عن ثور عن الحصين الجبراني، عَن أبي سعد، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استجمر فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلاّ أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد ابن آدم».
قوله: «من استجمر فليوتر» الاستجمار الاستنجاء بالأحجار ومنه رمي الجمار في الحج، وهي الحصا التي يرمى بها في أيام منى، وحدثني محمد بن الحسين بن عاصم وإبراهيم بن عبد الله القصار ومحمد بن الحباب قالوا حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول سئل ابن عيينة عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من استجمر فليوتر» فسكت ابن عيينة، فقيل له أترضى بما قال مالك؟ فقال وما قال مالك؟ قيل قال مالك الاستجمار الاستطابة بالأحجار. فقال ابن عيينة إنمّا مثلي ومثل مالك كما قال الأول:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ** لم يستطع صولة البزل القناعيس

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» معناه التخيير بين الماء الذي هو الأصل في الطهارة وبين الأحجار التي هي للترخيص والترفيه يريد أن الاستنجاء ليس بعزيمة لا يجوز تركها إلى غيره لكنه إن استنجى بالحجارة فليجعلها وترًا ثلاثًا وإلا فلا حرج إن تركه إلى غيره، وليس معناه رفع الحرج في ترك التعبد أصلا بدليل حديث سلمان الذي رويناه متقدما وهو قوله: «نهانا أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار»، وفيه وجه آخر وهو رفع الحرج في الزيادة على الثلاث، وذلك أن ما جاوز الثلاث في الماء عدوان وترك للسنة. والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعا وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يلعب بمقاعد ابن آدم»، فمعناه أن الشياطين تحضر تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله وتكشف فيها العورات، وهو معنى قوله: «إن هذه الحشوش محتضرة» فأمر عليه السلام بالتستر ما أمكن وأن لا يكون قعود الإنسان في براح من الأرض تقع عليه أبصار الناظرين فيتعرض لانتهاك الستر أو تهب عليه الريح فيصيبه نشر البول عليه والخلاء فيلوث بدنه وثيابه وكل ذلك من لعب الشيطان به وقصده إياه بالأذى والفساد.
وفي قوله: «من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج»، دليل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب واللزوم ولولا أن ذلك حكم الظاهر منه ما كان يحتاج فيه إلى بيان سقوط وجوبه وإزالة الإثم والحرج فيه.